فصل: الطرف الثاني في صورة ما يكتب في تحويل السنين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الثاني في صورة ما يكتب في تحويل السنين:

وهو على نوعين:
النوع الأول: ما كان يكتب في ذلك عن الخلفاء:
وفيه مذهبان:
المذهب الأول: أن يفتتح ما يكتب من ديوان بأما بعد:
وعلى ذلك كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد.
وهذه نسخة ما ذكر أبو الحسين بن علي الكاتب المقدم ذكره أنه كتب به في ذلك في نقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين في خلافة المعتضد بالله أمير المؤمنين؛ وهي: أما بعد، فإن أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته، وأعمل فيه فكره ورويته، وشغل به تفقده ورعايته، أمر الفيء الذي خصه الله به وألزمه جمعه وتوفيره، وحياطته وتكثيره، وجعله عماد الدين، وقوام أمر المسلمين، وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود، ومن يستعان به لتحصين البيضة والذب عن الحريم، وحج البيت، وجهاد العدو، وسد الثغور، وأمن السبل، وحقن الدماء، وإصلاح ذات البين، وأمير المؤمنين يسأل الله راغباً إليه، ومتوكلاً عليه، أن يحسن عونه على ما حمله منه، ويديم توفيقه لما أرضاه، وإرشاده إلى ما يقضي بالخير عنه وله.
وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه الخلفاء الراشدين فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلات والثمار في كل سنة أولاً أولاً على مجاري شهور سني الشمس في النجوم التي يحل مال كل صنف منها فيها، ووجد شهور السنة الشمسية تتأخر عن شهور السنة الهلالية أحد عشر يوماً وربعاً وزيادة عليه، ويكون إدراك الغلات والثمار في كل سنة بحسب تأخرها.
فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة وتكون عدة الأيام المتأخرة منها أيام سنة شمسية كاملة، وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم وزيادة عليه، فحينئذ يتهيأ بمشيئة الله وقدرته إدراك الغلات التي تجري عليها الضرائب والطسوق في استقبال المحرم من سني الأهلة. ويجب مع ذلك إلغاء ذكر السنة الخارجية إذا كانت قد انقضت ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلات والثمار فيها، وإنه وجد ذلك قد كان وقع في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة، آخرتهن سنة إحدى وأربعين ومائتين، فاستغنى عن ذكرها بإلغائها ونسبتها إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين؛ فجرت المكاتبات والحسبانات وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة، آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين، ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين، فذهب ذلك عل كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله وتأخر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين المعتضد بالله في سنة سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين؛ فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة: أولاهن السنة التي كان يجب نقلها فيها، وهى سنة خمس وسبعين ومائتين، وآخرتهن انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلثمائة، ووجب افتتاح خراج ما تجري عليه الضرائب والطسوق في أولها وإن من صواب التدبير واستقامة الأعمال، واستعمال ما يخف على الرعية معاملتها به نقل سنة الخراج لسنة سبع وثلثمائة إلى سنة ثمان وثلثمائة، فرأى أمير المؤمنين- لما يلزمه نفسه ويؤاخذها به، من العناية بهذا الفيء وحياطة أسبابه، وإجراء وجاريها، وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم فيها- أن يكتب إليك وإلى سائر العمال في النواحي بالعمل على ذلك، وان يكون ما يصدر إليكم من الكتب وتصرونه عنكم وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم وسائر مناظراتكم على هذا النقل.
فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به مستشعراً فيه وفي كل ما تمضيه تقوى الله وطاعته، ومستعملاً عليه ثقات الأعوان وكفاتهم، مشرفاً عليهم ومقوماً لهم، واكتب بما يكون منك في ذلك، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله بنقل سنة ست وثلثمائة إلى سنة سبع وثلثمائة؛ وهي: أما بعد، فإن أمير المؤمنين لا يزال مجتهداً في مصالح المسلمين، وباعثاً لهم على مراشد الدنيا والدين، ومهيئاً لهم إلى أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون، وأصواب الرأي فيما يبرمون وينقضون؛ فلا تلوح له خلة داخلة على أمورهم إلا سدها وتلافاها ولا حال عائدة بحظ عليهم إلا اعتمدها وأتاها ولا سنة عادلة إلا أخذهم باقامة رسمها، وإمضاء حكمها والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها والاتباع لها؛ وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصة بوفور ألبابها، وتجهله العامة بقصور أفهامها، وكانت أوامره فيه خارجة إليك وإلى أمثالك من أعيان رجاله، وأماثل عماله، الذين يكتفون بالإشارة، ويجتزئون بتيسير الإبانة والعبارة، لم يدع أن يبلغ من تلخيص اللفظ وإيضاح المعنى إلى الحد الذي يلحق المتأخر بالمتقدم، ويجمع بين العالم والمتعلم؛ ولا سيما إذا كان ذلك فيما يتعلق بمعاملات الرعية، ومن لا يعرف إلا الظواهر الجلية دون البواطن الخفية، ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكررة إلى الرسوم المتغيرة، ليكون القول بالمشروح لمن برز في المعرفة مذكراً، ولم تأخر فيها مبصراً، ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها، ولا أن يقتصر على اللمحة الدالة في مخاطبة جمهورها، حتى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه وصاروا فيه على كلمة سواء لا يعترضهم شك الشاكين ولا استرابة المستريبين، اطمأنت قلوبهم، وانشرحت صدورهم، وسقط الخلاف بينهم، واستمر الاتفاق فيهم، واستيقنوا أنهم مسوسون على استقامة من المنهاج، ومحروسون من جرائر الزيغ والاعوجاج؛ فكان الانقياد منهم وهم دارون عالمون، لا مقلدون مسلمون، وطائعون مختارون، لا مكرهون ولا مجبرون.
وأمير المؤمنين يستمد الله تعالى في جميع أغراضه ومراميه، ومطالبه ومغازيه، مادة من صنعه تقف به على سنن الصلاح، وتفتح له أبواب النجاح، وتنهضه بما أهله لحمله من الأعباء التي لا يدعي الاستقلال بها إلا بتوفيقه ومعونته، ولا يتوجه فيها إلا بدلالته وهدايته؛ وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.
وأمير المؤمنين يرى أن أولى الأقوال أن يكون سداداً، وأحرى الأفعال أن يكون رشاداً، ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد، وفي النص من كتابه آيات وشواهد، وكان مفضياً بالأمة إلى قوام من دين ودنيا، ووفاق في آخرة وأولى، فذلك هو البناء الذي يثبت ويعلو، والغرس الذي ينبت ويزكو، والسعي الذي تنجح مباديه وهواديه، وتبهج عواقبه وتواليه، وتستنير سبله لسالكيها، وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها، غير ضالين ولا عادلين، ولا منحرفين ولا زائلين. وقد جعل الله عز وجل من هذه الأفلاك الدائرة، والنجوم السائرة، فيما تتقلب عليه من اتصال وافتراق، ويتعاقب عليها من اختلاف واتفاق، منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام، ومرور الليالي والأيام، وتناوب الضياء والظلام، واعتدال المساكن والأوطان، وتغاير الفصول والأزمان، ونشء النبات والحيوان؛ فما في نظام ذلك خلل، ولا في صنعة صانعه زلل، بل هو منوط بعضه ببعض، ومحوط من كل ثلمة ونقض؛ قال الله سبحانه: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق}، وقال جل من قائل: {ألم ترى أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير}. وقال: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}، وقال عزت قدرته: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}. ففضل الله تعالى في هذه الآيات بين الشمس والقمر، وأنبأنا في الباهر من حكمه، والمعجز من كلمه، أن لكل منهما طريقاً سخر فيها وطبيعة جبل عليها، وأن كل تلك المباينة والمخالفة في المسير، تؤدي إلى موافقة وملازمة في التدبير؛ فمن هنالك زادت السنة الشمسية فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يوماً وربعاً بالتقريب المعمول عليه؛ وهي المدة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرة واحدة، ونقصت السنة الهلالية فصارت ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً وكسراً، وهي المدة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرة، واحتيج إذا افترقنا، ويداني بينهما إذا تفاوتتا.
وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها، وفي كتاب الله عز وجل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف: {ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً}. فكانت هذه الزيادة بأن الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب.
فأما الفرس فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهراً، وأيامها ثلاثمائة وستون يوماً، ولقبوا الشهور اثني عشر لقباً، وسموا أيام الشهر منها ثلاثين اسماً، وأفردوا الأيام الزائدة، وسموها المسترقة وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهراً.
فلما انقرض ملكهم، بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم، وزال نوروزهم عن سنته، وانفرج ما بينه وبين حقيقة وقته، انفراجاً هو زائد لا يقف، ودائر لا ينقطع، حتى إن موضوعهم فيه أن يقع في مدخل الصيف وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء، ويتجاوز ذلك؛ وكذلك موضوعهم في المهرجان أن يقع في مدخل الشتاء وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الصيف ويتجاوزه. وأما الروم فكانوا أتقن منهم حكمة وأبعد نظراً في عاقبة: لأنهم رتبوا شهور السنة على أرصاد رصدوها، وأنواء عرفوها، وفضوا الخمسة الأيام الزائدة على الشهور، وساقوها معها على الدهور، وكبسوا الربع في كل أربع سنين يوماً، ورسموا أن يكون إلى شباط مضافاً فقربوا ما بعده غيرهم، وسهلوا على الناس أن يقتفوا أثرهم، لا جرم أن المعتضد بالله صلوات الله عليه وعلى أصولهم بنى، ولمثالهم احتذى في تصيير نوروزه اليوم الحادي عشر من حزيران، حتى سلم مما لحق النواريز في سالف الأزمان، وتلافوا الأمر في عجز سني الشمس ما يفي بتمام شهر جعلوا السنة الهلالية التي يتفق ذلك فيها ثلاثة عشر هلالاً؛ فربما تم الشهر الثالث عشر في ثلاث سنين وربما تم في سنتين بحسب ما يوجبه الحساب، فتصير سنتا الشمس والهلال عندهم متقاربتين أبداً لا يتباعد ما بينهما.
وأما العرب فإن الله جل وعز فضلها على الأمم الماضية، ورثها ثمرات مساعيها المتعبة، وأجرى شهر صيامها ومواقيت أعياده وزكاة أهل ملتها، وجزية أهل ذمتها، على السنة الهلالية، وتعبدها فيها برؤية الأهلة، إرادة منه أن تكون مناهجها واضحة، وأعلامها لائحة، فيتكافأ في معرفة الغرض ودخول الوقت الخاص منهم والعام، والناقص الفقه والتام، والأنثى والذكر، وذو الصغر والكبر، فصاروا حينئذ يجبون في سنة الشمس حاصل الغلات المقسومة وخراج الأرض الممسوحة، ويجبون في سنة الهلال الجوالي والصدقات والأرجاء والمقاطعات والمستغلات، وسائر ما يجري على المشاهرات، وحدث من التعاظل والتداخل بين السنين ما لو استمر لقبح جداً، وازداد بعداً، إذ كانت الجباية الخراجية في السنة وتلغى، ويتجاوز إلى ما بعدها ويتخطى؛ ولم يجز لهم أن يقتدوا بمخالفيهم في كبس سنة الهلال بشهر ثالث عشر؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لتزحزحت الأشهر الحرم عن مواقعها، وانحرفت المناسك عن حقائقها، ونقصت الجباية عن سني الأهلة القبطية بقسط ما استغرقه الكبس منها، فانتظروا بذلك الفضل إلى أن تتم السنة، وأوجب الحساب المقرب أن يكون كل اثنين وثلاثين سنة شمسية ثلاثاً وثلاثين سنة هلالية، فنقلوا المتقدمة إلى المتأخرة نقلاً لا يتجاوز الشمسية، وكانت هذه الكلفة في دنياهم مستسهلة مع تلك النعمة في دينهم.
وقد رأى أمير المؤمنين نقل سنة خمسين وثلاثمائة الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة الهلالية جمعاً بينهما، ولزوماً لتلك السنة فيهما.
فاعمل بما ورد به أمر أمير المؤمنين عليك، وما تضمنه كتابه هذا إليك، ومر الكتاب قبلك أن يحتذوا رسمه فيما يكتبون به إلى عمال نواحيك، ويخلدونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعهم ويقررونه في دروج الأموال، وينظمونه في الدفاتر والأعمال ويبنون عليه الجماعات والحسبانات، ويوعزون بكتبه من الروزنامجات والبراآت، وليكن المنسوب كان من ذلك إلى سنة خمسين وثلثمائة التي وقع النقل عنها معدولاً به إلى سنة إحدى وخمسين التي وقع النقل إليها، وأقم في نفوس من بحضرتك من أصناف الجند والرعية وأهل الملة والذمة أن هذا النقل لا يغير لهم رسماً، ولا يلحق بهم ثلماً، ولا يعود على قابضي العطاء بنقصان ما استحقوا قبضه، ولا على مؤدي حق بيت المال بإغضاء عما وجب أداؤه، فإن قرائح أكثرهم فقيرة إلى إفهام أمير المؤمنين الذي يؤثر أن تزاح فيه العلة، وتسد به منهم الخلة، إذ كان هذا الشأن لا يتجدد إلا في المدد الطوال التي في مثلها يحتاج إلى تعريف الناشي، وإذكار الناسي، وأجب بما يكون منك جواباً يحسن موقعه لك، إن شاء الله تعالى.
المذهب الثاني مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنين: أن يفتتح ما يكتب بلفظ من فلان أمير المؤمنين إلى أهل الدولة ونحو ذلك:
ثم يؤتى بالتحميد وهو المعبر عنه بالتصدير؛ وعليه كان يكتب خلفاء الفاطميين بالديار المصرية.
قال في مواد البيان: والطريق في ذلك أن يفتتح بعد التصدير والتحميد؛ وهو على ضربين:
الضرب الأول: ما كان يكتب في الدولة الأيوبية:
وكانت العادة فيه أن يفتتح بخرجت الأوامر ونحو ذلك، ثم يذكر فيه نحواً مما تقدم.
وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية، من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته؛ وهي: خرجت الأوامر الصلاحية بكتب هذا المنشور وتلاوة مودعه بحيث يستمر، ونسخه في الدواوين بحيث يستقر؛ ومضمونه: إن نظرنا لم يزل تتجلى له الجلائل والدقائق، ويتوخى من الحسنات ما تسير به الحقائب والحقائق، ويخلد من الأخبار المشروعة، كل عذب الطرائق رائق، ويجدد من الآثار المتبوعة، ما هو بثناء الخلائق لائق، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير إلا جهدنا أن نكسبها، ولا يثوب بنا الداعي إلى مثوبة إلا رأينا أن نحتسبها، لا سيما ما يكون للسنين الماضية ممضياً، وإلى القضايا العادلة مفضياً، ولمحاسن الشريعة مجلياً، ولعوارض الشبه رافعاً، ولتناقض الخبر دافعاً، ولأبواب المعاملات حافظاً، ولأسباب المغالطات لافظاً، وللخواطر من أمراض الشكوك مصححاً، وعن حقائق اليقين مفصحاً، وللأسماع من طيف الاختلاف معفياً، ولغاية الإشكال من طرق الأفهام معفياً.
ولما استهلت سنة كذا الهلالية، وقد تباعد ما بينها وبين السنة الخراجية إلى أن صارت غلاتها منسوبة إلى ما قبلها، وفي ذلك ما فيه: من أخذ الدرهم المنقود، عن غير الوقت المفقود، وتسمية بيت المال ممطلاً وقد أنجز، ووصف الحق المتلف بأنه دين وقد أعجز، وأكل رزق اليوم وتسميته منسوباً إلى أمسه، وإخراج المعتد لسنة هلاله إلى حساب المعتد إلى سنة شمسية.
وكان الله تعالى قد أجرى أمر هذه الأمة على تاريخ منزه عن اللبس، موقر عن الكبس، وصرح كتابه العزيز بتحريمه، وذكر ما فيه من تأخير وقت النسيء وتقديمه؛ والأمة المحمدية لا ينبغي أن يدركها الكسر، كما أن الشمس لا ينبغي أن تدرك القمر، وسننها بين الحق والباطل فارقة، وسنتها أبداً سابقة، والسنون بعدها لاحقة، يتعاورها الكسر الذي يزحزح أوقات العبادات عن مواضعها، ولا يدرك عملها إلا من دق نظره، واستفرغت في الحساب فكره؛ والسنة العربية تقطع بخناجر أهلتها الاشتباه، وترد شهورها حالية بعقودها موسومة الجباه؛ وإذا تقاعست السنة الشمسية عن أن تطأ أعقابها، وتواطي حسابها، اجتذبت قراها قسراً، وأوجبت لحقها ذكراً، وتزوجت سنة الشمس سنة الهلال وكان الهلال بينهما مهراً؛ فسنتهم المؤنثة وسنتنا المذكرة، وآية الهلال هنا دون آية الليل هي المبصرة؛ وفي السنة العربية إلى ما فيها من عربية الإفصاح، وراحة الإيضاح، الزيادة التي تظهر في كل ثلاث وثلاثين سنة توفي على عدد الأمم قطعاً، وقد أشار الله إليها بقوله: {ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين وازدادوا تسعاً}. وفي هذه السنة الزائدة زيادة، من لطائف السعادة، ووظائف العبادة، لأن أهل ملة الإسلام يمتازون على كل ملة بسنة في نظير تلك المدة قصدوا صلاتها، وأدوا زكاتها، وحجوا فيها البيت العتيق الكريم، وصاموا فيها الشهر العظيم، واستوجبوا فيها الأجور الجليلة، وأنست فيها أسماعهم بالأعمار الطويلة؛ ومخالفوهم فيها قد عطلت صحائفهم في عدوانهم، وإن كانت عاطلة، وخلت مواقفهم في أديانهم، وإن لم تكن قط آهلة.
وقد رأينا باستخارة الله سبحانه والتيمن باتباع العوائد التي سلكها السلف، ولم تسلك فيها السرف، أن ينسخوا أسماءها من الخراج، ويذهب ما بين السنين من الاضطراب والاعوجاج، لا سيما والشهور الخراجية قد وافقت في هذه الشهور الشهور الهلالية، وألقى الله في أيامنا الوفاق بين الأيام، كما ألقى باعتلائنا الوفاق بين الأنام، وأسكن بنظرنا ما في الأوقات من اضطراب وفي القلوب من اضطرام.
فليستأنف التاريخ في الدواوين المعمورة، لاستقبال السنة المذكورة، بأن توسم بالهلالية الخراجية لإزالة الالتباس، ولإقامة القسطاس، وإيضاحاً لمن أمره عليه غمة من الناس؛ وعلى هذا التقرير، تكتب سجلات التحضير، وتنتظم الحسبانات المرفوعة، والمشارع الموضوعة، وتطرد القوانين المشروعة، وتثبت المكلفات المقطوعة؛ ولو لم يكن بين دواعي نقلها، وعوارض زللها وزوالها، إلا أن الأجناد إذا قبضوا واجباتهم عن منشور إلى سنة خمس في أواخر سنة سبع وسقط ساقطهم بالوفاة، وجرى بحكم السمع لا بالشرع إلى أن يرث وارثه دون بيت المال مستغل السنة الخراجية التي يلتفي فيها تاريخ وفاته من السنة الهلالية وفي ذلك ما فيه، مما يباين الإنصاف وينافيه لكفى.
وإذا كان العدل وضع الأشياء في مواضعها فلسنا نحرم أيامنا المحرمة بذمامنا، ما رزقته أبناؤها من عدل أحكامنا، بل نخلع عن جديدها المس كل المس، ونمنع تبعة الضلال أن تسند مهادنته إلى نور الشمس، ولا نجعل أيامنا معمورة بالأسقاط التي تجمعها، بل مغمورة بالأقساط التي تنفعها؛ فليبين التاريخ على بنيانه وليحسم الخلف الواقع في السنين، بهذا الحق الصادع المبين، ولينسخ المشهود به في جميع الدواوين، وليكاتب بحكمه من الخراج إلى من يمكنه من المستخدمين- ومنها أن المستجد من الأجناد لو حمل على السنة الخراجية في استغلاله، وعلى الهلالية في استقباله، لكان محالاً على ما يكون محالاً، وكان يتعجل استقبالاً، ويباطن استغلالاً؛ وفي ذلك ما ينافر أوصاف الإنصاف ويصون الفلاح إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني: ما يكتب به في زماننا:
وقد جرت العادة أن يكتب في قطع الثلث وأنه يفتتح بخطبة مفتتحة بـ الحمد لله ثم يقال: وبعد فإنا لما اختصنا الله تعالى به من النظر في أمر الناس ومصالحهم، ويذكر ما سنح له من ذلك ثم يقال: ولما كان، ويذكر قصة السنين: الشمسية والقمرية، وما يطرأ بينهما من التباعد الموجب لنقل الشمسية إلى القمرية، ثم يقال: اقتضى الرأي الشريف أن يحول مغل سنة كذا إلى سنة كذا وتذكر نسخة ذلك، ثم يقال: فرسم بالأمر الشريف الفلاني لا زال................. أن تحول سنة كذا إلى سنة كذا.
وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى العربية، وهي: الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين، وصير الشهور والأعوام لابتداء المدد وانتهائها غايتين، ليعلم خلقه عدد السنين والحساب، وتعمل بريته على توفية الأوقات حقها من الأفعال التي يحصل بها الاعتداد ويحسن بها الاحتساب.
نحمده على ما خص أيامنا الزاهرة من إنعام النظر في مصالح خلقه، وإمعان الفكر في تشييد ما بسط لهم من رزقه، وإزالة الضرر في تيسير القيام بما أوجب عليهم من حقه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عاصمة من الزيغ ذا هوى، معتصمة من التوفيق بأقوى أسباب التوثيق وأوثق أسباب القوى، شافعة حسن العمل في مصالح العباد بحسن النية، فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وحجة على العاملين، ونشر دعوته في الآفاق فأيده لإقامتها بنصره وبالمؤمنين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أمروا فأطاعوا، ونهوا فاجتنبوا ما نهوا عنه ما استطاعوا، صلاة تنمي نماء البذور، وتبقى بقاء الدهور، وتطوى بنشرها مراحل الأيام إلى يوم النشور.
وبعد، فإنا لما اختصنا الله تعالى به من التوفر على مصالح الإسلام، والتنأول لما تنشرح به في مواقف الجهاد، صدور السيوف وتنطق به في مصالح العباد، ألسنة الأقلام، نتبع كل أمر فنسد خلله، ونثقف ميله، ونقيم أوده، وننظر ليومه بما يصلح به يومه ولغده بما يصلح غده، إصلاحاً لكل حال بحسبه، وتقريباً لكل شيء على ما هو أليق بشأنه وإقرار لكل أمر على ما هو الأحسن به. ولما كان الزمان مقسوماً بين سنين شمسية يتفق فيها ما أخرج الله تعالى من الرزق لعباده، ويحصل بها ميقات القوت الذي قال الله تعالى فيه: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} وقمرية لا يعول في أحكام الدين إلا عليها، ولا يرجع في تواريخ الإسلام إلا إليها، ولا يعتبر العبادة الزمانية إلا بأهلتها، ولا يهتدى إلى يوم الحج الأكبر إلا بأدلتها، ولا يعتاد في العدد التي تحفظ بها الأنساب إلا بأحكامها، ولا تعلم الأشهر الحرم إلا بوجودها في الأوقات المخصوصة من عامها، وكان قد حصل بينهما من تفاوت الأيام في المدد، واختلاف الشهور الهلالية في العدد، ما يلزم منه تداخل مغل في مغل، ونسبة شيء راح وانقضى إلى ما أدرك الآن وحصل، ويؤدي ذلك إلى إبقاء سنة بغير خراج، وهدر ما يجب تركه فليس الوقت إليه محتاج، وإلغاء ما يتعين إلغاؤه، وإسقاط ما تلتفت إليه الأذهان وهو لا يمكن رجاؤه، وإن كان ذلك الإسقاط لا ضرر فيه على العباد والبلاد، ولا نقص ينتج منه للأمراء والأجناد، ولا حقيقة له ولا معنى، ولا إهمال شيء أفقر ترك ولا إبقاؤه أغنى، ولكن صار ذلك من عوائد الزمن القديمة، ومصطلحاً لا تزال العقول بالاحتياج إلى فعله عليمة، وأمراً لا بد للملك منه، وحالاً لا مندوحة للدول عنه، لتغدو التصرفات على الاستقامة ماشية، والمعاملات من الحق ناشية، ويعفى رسم ما لم يكن في الحقيقة رابط، ويزال اسم ما لو توسمه الفضل لأضحى كأنه يغالط- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تحول هذه السنة التي يحصل بها الكبس، وأن يدحضها يقين النفس، وأن يرفع ما بها من أشكال الإشكال، ويزال هذا السبب الذي نشأ عنه دخول الأكثر باستدراج الأقل فلا يكون للأذهان عليه اتكال- نظراً بذلك في مصالح الأمة، ودفعاً لما يجدونه من أوهام مدلهمة، وعملاً يطابق به الدليل حكمه، ويوافق فيه اللفظ معناه والفعل اسمه، وتخفيفاً عن الرعية من لزوم ما لا يلزم في الحقيقة عملاً بقوله تعالى: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة}.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال عدله سائراً في الأيام والأنام، وفضله سائداً بالرفق الذي تغدوا به العقول والعيون كأنها من الأمن في منام- أن يحول مغل سنة تسع وأربعين وسبعمائة، بالديار المصرية المحروسة، لمغل سنة خمسين وسبعمائة، ويلغى اسم مغل السنة المذكورة، من الدواوين المعمورة، ولا ينسب إليها مغل بل يكون مغل سنة خمسين وسبعمائة تالياً لمغل سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وتستقر السنة حينئذ هلالية خراجية بحكم دوران السنين، واستحقاق هذا التحويل من مدة خمس عشرة سنة، حيث اتفق مبدإ السنين الشمسية والقمرية، ووقوع الإغفال عن هذا المبهم في الدولة الماضية، لتكون هذه الدولة الشريفة قائمة بما قعد عنه من مضى من الدول، مقومة بعون الله لكل متأود من الزيغ والخلل، لما في ذلك من المصالحة العامة، والمنحة التامة، والحق الواضح، والقصد الناجح، والمنهج القويم، والصراط المستقيم، والاعتماد على الشهور القمرية قال الله تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم}.
فليعتمد حكم ما قررناه، وليمتثل أمر ما أمرناه، وليثبت ذلك في الدواوين، وليشهر نبؤه المبين، وليسقط ما تخلل بين هاتين السنتين من المغل الذي لا حقيقة له، وليترك ما بينهما من التفاوت الذب لا تعرف الحسبانات معدله، وليمح اسم هذه الأيام من الدفاتر، ولينس حكمها فإنها أولى بذلك في الزمن الآتي والغابر؛ فليس المغل سوى للعام الذي وجد فيه سببه، وظهر فيه حصوله وتعين طلبه، وأدرك في إبانه، وجاء في زمانه، وأينع به ثمر غرسه، واستحق في وقته لا كما يلزم أن يكون اليوم في أمسه؛ وفي ذلك من الأسباب الباعثة على ما رسمنا به، والدواعي اللازمة لذهابه، والبراهين القاطعة بقطعه، والدلائل الواضحة على دفعه، ما قدمناه: من المصالح المعينة، والطرق المبينة، وإزالة الأوهام، وتأكيد الأفهام، وإراحة الخواطر، وإزاحة ما تتشوق إليه الظنون في المظاهر؛ وليبطل ذلك من الارتفاعات بالكلية، ويسقط من الجرائد لتغدو الحسبانات منه خلية، ولا يذكر مغل السنة المدحوضة في سجل ولا مشروح، ولا مشهود يغدو حكمه ويروح، ولا مكلفات تودعها الأقلام شيئاً على المجاز وهو في الحقيقة مطروح، لتثبت الحسنات لأيامنا الزاهرة في هذا الصحو، ويتمسك في صحة العبادات والمعاملات بالسنين العربية من غير خروج عن ذلك النحو؛ والله تعالى يبين بنا طرق الصواب، ويحسن ببقاء ملكنا الشريف المآل والمآب، ويجعل دولتنا توضح الأحكام على اختلاف الجديدين: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}.
والاعتماد فيه على الخط الشريف- أعلاه الله تعالى- أعلاه، إن شاء الله تعالى.
حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة. حسب المرسوم الشريف؛ بالإشارة الكافلية السيفية، كافل الممالك الشريفة الإسلامية، أعز الله تعالى نصرته؛ ثم الحمدلة والتصلية والحسبلة.
قلت: وهذه النسخة صدرها إلى قوله: والشهور الهلالية أجنبي عما بعد ذلك من تتمة الكلام. وذلك أني ظفرت بعجز النسخة، وهو المكتتب في تحويل سنة تسع وأربعين في نفس المرسوم الشريف الذي شملته العلامة الشريفة، وقد قطع أوله فركبتها على هذا الصدر.
ومن عجيب ما يذكر في ذلك أن سنة تسع وأربعين التي حولت إلى سنة خمسين هي السنة التي وقع فيها الطاعون الجارف الذي عم القطار خلا المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخلها الطاعون، وكثر فيها الموت حتى انتهى إلى عشرين ألفاً في اليوم الواحد؛ وكان يقال في هذه السنة لما حولت: مات كل شيء حتى السنة لإلغائها؛ وجعل مغل سنة خمسين تالياً لمغل سنة ثمان وأربعين كما تقدم.
النوع الثاني: .................................................
.......................................................................